مقتطفات من سيرة حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم
مقدمة الحمد لله رب فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء سبحانه عز عن الشبيه والنظير والمثيل والولد وصلى الله على خير الأمة وكاشف الغمة ناصر الحق بالحق أرسله ربه بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار وعدد ماذكره الذاكرون الأبرار وعدد قطر الأمطار والبحار وعدد ذرات الرمال وعدد ما خلق الجبار صلى الله عليه وسلم فإن مما شرف الله به هذه الآمة أن انزل عليها الكتاب وبعث فيها النبي الأواب فنحن من أمته ونحن من أتباعه ونسال الله أن يجعلنا ممن يتبعون سنته فذة بفذة وان يجمعنا معه في جنات النعيم ومع آل بيته الطيبين وصحابته الطاهرين آمين .
فإنه ليشرفن والله أن اكتب بيدي وبقلمي عن سيرته صلى الله عليه واله وسلم وعن معجزاته ،
فإن سيرته أجمل سيرة على الإطلاق يستفيد منها الصفير والكبير والجاهل وحتى العالم لما فيها من الآداب النبوية والأخلاق ألمحمديه ألقرانيه وسوف أقسم هذا البحث إلى أقسام وهو كالتالي :
(1) سيرته ( نسبه ، ولادته ، رضاعته ، بعثته) .
(2) معجزاته.
(3) خاتمه.
(4) المراجع.
(5) فهرس.
واسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى وان يجعل عملنا خالصا له سبحانه والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
(نسبة)
هو سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مره بن كعب بن لوي بن غالب بن فهد بن مالك ابن النضر بن كنانه بن خزيمه بن مدركه بن الياس من مصر ابن نزار ابن معدين بن عدنان وعدنان من ولد إسماعيل عليه السلام ابن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام
هذا هو نسبه الشريف صلى الله عليه واله وسلم فهو من نسل سيدنا إبراهيم خليل الله عليه السلام قال تعالى : (( إن الله اصطفى ادم ونوحاًًًًً وال إبراهيم وال عمران على العالمين )) . سورة آل عمران
وقال صلى الله عليه واله وسلم : (( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريش من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم )). رواه مسلم .
(ولادته)
ولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بشعب بني هاشم بمكة صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول وقيل اليوم الثاني عشر من عام الفيل ولقد حدثت له صلى الله عليه وسلم من الكرامات قبل ولادته ما تدل على نبوته وهي كالتالي :
1- انه ولد من نكاح شرعي لا من سفاح جاهلي وهي عصمه الإهيه لا يقدر عليها الا الله
2- إن أمه آمنه لم تجد أثناء حملها به صلى الله عليه وسلم ما تجده الحوامل من التعب والوهن والضعف فكان هو آية
3- خبر كب لما وضعته رأت نورا فقالت : ((لما ولدته خرج من خرجي نور أضاء ت له قصور الشام )) رواه احمد
وقد سول صلى الله عليه وسلم فقال : (( إن دعوه أبي إبراهيم عليه السلام وبشرى عيسى عليه السلام ورأت أمي حين حملت بي انه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام ))
4- خبر كب لما حملت به صلى الله عليه وسلم أتاها آتي انك حامله بسيد هذه الأمة فإذا أوضع على الأرض فقولي :
((أعيذه بالواحد من شر كل حاسد فإذا سميه محمدا فان اسمه في التوراة احمد يحمده أهل السماء والأرض ))
5- انه ولد صلى الله عليه وسلم مسرورا أي مقطوع ألسره على خلاف المواليد في قطع القوابل سرارهم المتصلة بأمهاتهم
6- انه ولد صلى الله عليه وسلم مختونا أي مقطوع غلفه الذكر فلم يختن كما يختن المولود ولهذا أعجب به جده عبد المطلب وقال سيكون لابني هذا شان عظيم وحظي عنده بأكرم منزله
7- ارتجاج إيوان كسرى بفارس وسقوط أربع عشر شرفه من شرفاته
8- خمود نار فارس التي لم تخمد منذ ألف سنه
9- امتلاء البيت الذي ولد فيه نورا ورؤية النجوم وهي تدنوا منه حتى لتكاد تقع عليه صلى الله عليه وسلم رأت هذا أمه والقابلة التي كانت معها وحدثت به .
(رضاعته)
ان أول مرضعة تشرفت بإرضاعه صلى الله عليه وسلم والدته الشريفة العفيفة ألطيبه الاردان آمنه بنت وهب الزهرية التي رأت من آيات ألنبوه ما رأت ثم ثوبيه مولاه أبي لهب التي أرضعت عمه حمزة كذالك فكان أخا للنبي من الرضاعة وهو عمه صنو أبيه ثم أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب ألسعديه من بني سعد بن بكر رضع مع ابنتها الشيماء بنت الحارث بن عبدالعزى وقد رأت في إرضاعه صلى الله عليه وسلم آيات فلنتركها رضي الله عنها تحدثنا بنفسها عما شاهدت من آيات نبوته صلى الله عليه وسلم
أنها قالت : خرجت من بلدي وزوجي وابن صغير لنا نرضعه في نسوه من بني سعد نلتمس الرضعاء وذلك في سنه شهباء لم تبقي لنا شيئا خرجنا على أتان لنا قمراء ومعنا شارف لنا والله ما تبض بقطره وما ننام ليلنا اجمع من البكاء صبينا الذي معنا من الجوع وإذا ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه ولكننا كنا نرجو الغيث والفرج خرجنا نلتمس الرضعاء في مكة فما منا أمراه إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها انه يتيم وذالك إنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري فلما اجمعنا ألعوده إلى بلادنا قلت لزوجي : والله إني لأكره أن ارجع ولم اخذ رضيعا والله لأذهبن إلى ذالك اليتيم فأخذه فقال لي لاعليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركه فذهبت فأخذته وما حملني على ذالك إلا إنني لم أجد غيره فلما رجعت به إلى رحلي ووضعته في حجري اقبل عليه ثدياي بما شاء من اللبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي ثم نام فقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا هي حافل فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعنا فبتنا بخير ليله فلما أصبحنا قال لي زوجي تعلمين والله يا حليمة لقد أخذت نسمه مباركه فقلت والله إني لأرجوا ذالك ثم خرجنا وركبت أتاني وحملته عليها معي فوالله لقطعت بالراكب ما يقدر عليها شيء من حمرهم حتى إن صواحبي قلن لي يا ابنة أبي ذؤيب ويحك اربعي علينا أليست هذه اتانك التي كنت خرجتي عليها ؟ فقلت لهن : بلى والله إنها لهي هي فقلت والله إن لها لشانا ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد وما اعلم أرضا من أراضي الله اجذب منها فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعى لبنا فنحلب ونشرب ما يحلب إنسان قطرة لبن لا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعى لبنا فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه ( أي سنتاه رضاعه ) وفصلته وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما خفرا (( غليظا شديدا )) فقدمنا به على أمه ونحن احرص شيء على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته فكلمنا أمه وقلت لها لو تركتي بني عندي حتى يغلظ فاني أخشى عليه وباء مكة فلم نزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به وبعد مقدمنا بأشهر وانه لفي بهم لنا مع أخيه خلف بيوتنا خبر كبه أخوه يشتد ففال لي ولأبيه ذاك أخي القريشي قد أخذه رجلان عليهما ثيابا بيض فأضجعناه فشقا بطنه قالت فخرجنا أنا وأبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعا (( متغيرا )) وجهه فالتزمته خبر كبهيوه فقلنا له : ما لك يا بني ؟ قال : جاء لي رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشقا بطني فلتمسا فيه شيئا لا ادري ما هو فرجعنا به إلى خبائنا وقال لي أبوه لقد خشيت إن هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذالك به فاحتملناه فقدمنا به على أمه فقالت : ما أقدمك به يا ظئر وقد كنت وتخوفت الأحداث غليه فاديته إليك كما تحبين قالت : ما هذا شأنك ؟ فاصدقيني خبرك فلم تدعني حتى أخبرتها قالت فتخوفت عليه الشيطان قلت : نعم قالت : كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل وان لبتي لشانا أفلا خبر كبه ؟ قالت : نعم قالت حلمت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان اخف علي ولا أيسر منه ووقع حين ولدته وانه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء دعيه عنكي وانطلقي راشدة
هكذا كان استرضاعه صلى الله عليه وسلم في بادية بني سعد شانه شان أبناء سادات قريش يرضعون أولادهم في البوادي ليصحوا أجساما ويفصحوا لسانا ويقووا جنانا ولقد قال مره صلى الله عليه وسلم معتزا بشرف أصله واسترضاعه في البادية (( أنا أعربكم أنا قرشي واسترضعت في بني سعد بن بكر ))
نتائج وعبر
1- بيان عدد مرضعاته إنهن ثلاث الأم ألسريه آمنه وثويبه مولاه عمه أبي لهب وحليمة ألسعديه رضي الله عنها
2- بيان مده رضاعه وإنها كانت حولين كاملين وهي ألمده التي قررها الإسلام
3- بيان ما نال حليمة ألسعديه وأسرتها من خير وبركة وما فازت من شرف لا بقادر قدره بإرضاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبها له
4- حب النبي صلى الله عليه وسلم موجب للخير دافع للشر فان حب أبي لهب له لما بشر بولادته نفعه فرئي في المنام وانه يعذب لموته على الشرك والكفر إلا انه يمتص من أنملته ماء كل يوم اثنين وهو يوم ولادته صلى الله عليه وسلم وتبشيره به
5- تقرير الإسلام لمشروعية الإرضاع حولين كاملين لمن أراد ذالك
6- بيان إعداد الله تعالى عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لتلقي الوحي عنه بشق صدره ونزع مغمز الشيطان منه حتى لا يبقى له محل ينزل به ليوسوس
7- بيان آيات نبوته التي رأتها آمنه والدته يوم حملها ويوم وضعها
8- جواز الاعتزاز بالخير الذي يعطيه الرب تبارك وتعالى عبده ويكرمه به لكن مع شكر المنعم سبحانه وتعالى على ما أولى العبد من خير وفضل .
(بعثته)
قبلها وبعدها
أن الفترة التي قضاها الحبيب صلى الله عليه وسلم من أيام طفولته إلى يوم مبعثه كانت حقا زاخرة بمظاهر الكمالات ألمحمديه وكلها دلائل لنبوته وآيات كمالاته لكمال محبته واليقين في الإيمان به صلى الله عليه وسلم وان أول تلك المظاهر الكمالية الاستسقاء به صلى الله عليه وسلم وهو طفل لم يبلغ بعد فقد ذكر الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبدا لوهاب رحمه الله في مختصره أن ابن عساكر روى عن جلهمه بن عرفطه قال قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش يا أبا طالب أقحط الوادي واجذب العيال فهلم فاستسق فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلب عنها سحابه قتماء حوله اغيلمه فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ بإصبعه الغلام وما في السماء قزعه فاقبل السحاب من هاهنا وأغدق وانفجر الوادي وأخصب النادي و البادي وفي هذا قول أبو طالب :
وابيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمه للأرامل
فهذه إحدى الكرامات الالهيه للحبيب صلى الله عليه وسلم وهو مظهر من مظاهر الكمال إذ الهم الله تعالى أبا طالب أن يستسقي به صلى الله عليه وسلم وهو طفل فيأخذه ويأتي به إلى الكعبة ويلصق ظهره بها ويرفع الغلام بين يديه ولسان حاله يقول اسقنا ربنا فقد توسلنا إليك بهذا الغلام المبارك فيسقيهم الله تعالى حتى يجري واديهم وتخصب أراضيهم فكانت هذه من طلائع النبوة وتباشير ها
وثاني تلك المظاهر للكمال المحمدي : انه صلى الله عليه وسلم لم تكشف له عوره قط بعد أن حدث له مره وهو ينقل الحجارة مع رجالات قريش لبناء الكعبة المشرفة وكانوا يرفعون أزرهم على عواتقهم يتقون بها ضرر الحجارة وكان هو صلى الله عليه وسلم يضع الحجارة على عاتقه وليس عليه شيء فراه عمه العباس رضي الله عنه فقال له لو رفعت من إزارك على عاتقك حتى لا تضرك الحجارة ففعل صلى الله عليه وسلم فبدت عورته فوقع على وجهه فوق الأرض ونودي استر عورتك أي ناداه ملك فما رؤيت له بعد ذالك عوره أبدا
وثالث مظاهر الكمال : انه صلى الله عليه وسلم قد بغض الله تعالى إليه الأوثان وكل أنواع الباطل وقد اخبر صلى الله عليه وسلم عن ذالك عن نفسه فقال : (( لما نشأت بغضت إلى الأوثان وبغض إلى الشعر ولم أهم بشيء مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين كل ذالك يحول الله تعالى بيني وبين ما أريد من ذلك ثم ما هممت بسوء بعدهما حتى أكرمني الله برسالته قلت ليله لغلام كان يرعى معي : لو أبصرت لي غنمي حتى ادخل مكة فاسمر كما يسمر الشباب فخرجت حتى جئت أول دار من مكة اسمع عزفا بالدفوف والمزامير لعرس كان لبعضهم فجلست لذلك فضرب الله على إذني فنمت فما أيقظني إلا حر الشمس ولم اقضي شيئا ثم عراني مثل ذلك مره أخرى ))
رابع مظاهر الكمال : هو تحكيم قريش له في أعظم خلاف لها كاد يفضي بها إلى الحرب والقتال وذلك أن السيل كان قد طغى على الكعبة فغمرها بالمياه وزلزل بنائها وكاد يهدم أركانها وتشاورت قريش طويلا في اعاده بناء الكعبة بعد الذي أصابها وكانت تتهيب أن تمس الكعبة بشيء لاسيما هدمها وتجديد بنائها مخافة أن تنالها عقوبة من الله رب الكعبة وحاميها من كل كيد يراد لها وبعد اخذ ورد أقدمت على هدمها وتجديد بنائها بعدما أعدت لذلك عدته ومنه المال الحلال وفعلا وزعت أركانها على قبائلها وشرعت في الهد والبناء ولما ارتفع جدار الكعبة وبلغ موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يتشرف بوضع الحجر مكانه من الركن اليماني الشرقي وتنافسوا في ذلك وشحوا به على بعضهم حتى كادوا يقتتلون وأخيرا ألهمهم الله تعالى إلى تحكيم أول من يقبل من باب الصفا وما زالوا كذلك حتى اقبل محمد صلى الله عليه وسلم فما أن رأوه مقبلا حتى قالوا هذا محمد الأمين رضينا به حكما وفعلا رضي صلى الله عليه وسلم بتحكيمهم له فأمر أن يبسطوا ثوبا فوضعه فيه ثم أمر ممثلي قبائل قريش أن يأخذ ممثل كل قبيلة بطرف ودفعوه ولما حادوا به مكانه من الجدار رفعه بيديه الكريمتين فوضعه مكانه وبذلك حقنت دماء قريش وعادة الالفه والمودة بين رجالات قريش فكان هذا الحكم والتحكيم اكبر مظهر من مظاهر الكمال المحمدي قبل أنبائه وإرساله نبيا ورسولا
خامس المظاهر للكمال : اعتراف بحيرى الراهب بكمال نبوته ووصيته عمه أبا طالب به وذلك انه لما بلغ صلى الله عليه وسلم ألثانيه عشر من عمره أو ما يقاربها وأراد أبو طالب وهو عمه وكافله السفر إلى الشام صحبه قافلة تجاريه عز على أبي طالب أن يخلف محمدا وقد امتلأ قلبه بحبه صلى الله عليه وسلم وعز على محمد صلى الله عليه وسلم أن يفارق عمه كذلك فتعينت ألصحبه فصحبه أبو طالب إلى الشام مجتازين ديار ثمود وبلاد مدين إلى الشام فنزلوا منزلا قريبا من صومعة راهب هو بحيرى وكان بحيرى ذا علم بالمسيحية والكتب الأولى وكان رأسا في المنطقة لعلمه وفضله وشاء الله تعالى أن يطل من اعلي صومعته فيرى قافلة قريش وهي مقدمه نحوه وان بينها غلاما تظلله غمامه من الشمس ولما وقفت القافلة للنزول ونزلت رأى ألغمامه تقف فوق الغلام لا تتعداه تحفظه من حر الشمس فعلم أن لهذا الغلام شانا وكيف يصل إليه ويجري الحديث معه ليعرف شانه ؟ فما كان من الراهب إلا أن دعا القافلة إلى طعام عشاء عنده بعنوان ضيافة وقبله القافلة ذلك بعد تردد واستفسار عن مثل هذه الضيافة التي لم تحصل لقوافلهم المتعددة قط وطمأنهم بحيرى بأنه لا غرض له إلا إكرامهم والتعرف على أحوالهم ولما حضر الطعام وتقدم الاكله لم ير بحيرى الغلام الذي رأى ألغمامه تظله فتعجب وقال للقوم : هل تخلف من قافلتكم احد ؟ فقالوا : لا فقال : بلى أين الغلام الذي كان معكم فجاؤوا به وقد تخلف لصغره وحيائه أن يطعم مع رجالات قريش فبقي في رحل عمه فلما جاء وجلس اخذ بحيرى يلحظه ويتأمله ولما انصرف القوم قام بحيرى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقال له : يا غلام أسالك بحق اللات والعزى جريا على حلف العرب يهما إلا أخبرتني عما أسالك عنه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تسألني باللات والعزى فوالله ما ابغض شيئا قط بغضهما )) فقال له أسالك بالله إلا ما أخبرتني عما أسالك عنه فقال صلى الله عليه وسلم : (( سل عما بدا لك )) فجعل بحيرى يسأله عن أشياء عن حاله في نومه وهيئته وأموره فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من نعوت الرسول وصفاته التي عرفها من الكتب السابقة ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه وكان مثل اثر المحجم ثم التفت الراهب بحيرى إلى أبي طالب فسأله عن الغلام فاخبره فعلم انه النبي المنتظر وأمره أن يعود به إلى دياره مخافة أن يغتاله يهود إذا رأوه وعلموا به فقضى أبو طالب حاجته من تجارته بسرعة وعاد بابن أخيه مسرعا إلى مكة
وسادس المظاهر للكمال المحمدي : حضوره صلى الله عليه وسلم حلف الفضول أن حلف الفضول كان بعد حرب الفجار التي كانت حربا فجر فيها أهلها بانتهاكهم حرمه الشهر الحرام وقد دارت تلك الحرب بين كنانة وقريش من جهة وقيس من جهة أخرى وكان سببها تافها لم يعد قتل رجل من قيس تداعي بعد الأحلاف للقتال ولما انتهت تلك الحرب الفاجرة الخاسر هاذ هي من عمل الجاهلية دعت قريش إلى حلف الفضول وسببه أن رجلا من زبيد جاء مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل وكان ذا قد وشرف في مكة فمنعه حقه فاستعدى الزبيدي الأحلاف على العاص وهم عبد الدار ومخزوم وجمح وسهم وعدي فأبوا أن يعينوه على العص بن وائل فما كان منه إلا أن علا جبل أبي قبيس وصاح بشعر يصف فيه ظلامته وعندها مشى الزبير بن عبد المطلب وقال : ما لهذا مترك فاجتمعت هاشم وزهره وتيم بن مره في دار عبد الله بن جدعان ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمره إذ ذاك عشرين سنه فصنع لهم عبد الله طعاما وتحالفوا وهم في شهر ذي القعدة أي حلف بعضهم لبعض متعاهدين ومتعاقدين بالله ليكون يدا واحده مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفه فسمت قريش ذلك الحلف (( حلف الفضول )) وقالوا قد دخل هؤلاء في فضل من الأمر ثم مشوا إلى العاص بن وائل وانتزعوا منه حق الزبيدي وعبد الله بن جدعان هذا هو الذي كان يكسوا ألف حله وينحر ألف بعير في كل موسم وقالت فيه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : إن عبد لله بن جدعان يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم الطعام ويقري الضيف فهل ينفعه ذلك يوم الدين ؟ فقال : (( لا لأنه لم يقل يوما من الدهر ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين ))
وسابع الكمالات المحمدية : هو رغبة خديجة فيه وزواجها به صلى الله عليه وسلم انه صلى الله عليه وسلم لما يتجاوز العشرين من عمره وحضر حلف الفضول وقبله تحكيم قريش له في وضع الحجر الأسود واشتهاره بالصدق والوفاء والامانه والعفة والنزاهة زيادة على شرف الأصل وطيب المحتد وكان بمكة أمراه سريه ثرية ذات كمالات نفسيه من خلق فاضل وأدب رفيع تلك هي خديجة بنت خويلد الأسدية القرشية رضي الله عنها وقد بلغها من مظاهر الكمال المحمدي ما جعلها تعرض عليه الاتجار بمالها ليوفر له دخلا ماليا يستغني به عن كفالة أبي طالب ورفادته ورضي الحبيب صلى الله عليه وسلم بالعرض وقيل الطلب وخرج في قافلة تجاريه إلى الشام ويصحبه لخدمته غلام خديجة المسمى بميسره ومن الآيات التي شاهدها ميسره في سفره مع الحبيب صلى الله عليه وسلم انه رأى ملكين يظلانه من حر الشمس إذا اشتدت الهاجرة كما انه صلى الله عليه وسلم نزل يوما تحت ظل شجره قريبه من صومعة راهب فراه الراهب فسال ميسره عنه فقال له هو رجل من أهل الحرم قرشي فقال له الراهب : انه ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي وذلك لما شاهد من آيات النبوة التي تلوح لكل ذي بصيرة وتأمل
كما قال الأعرابي الذي نظر أول مره للحبيب صلى الله عليه وسلم فقال : والله ما هو بوجه كذاب !!!
وعاد الحبيب صلى الله عليه وسلم بتجاره رابحه وست بها خديجة وزادها سرورا ما أنباها به غلامها ميسره من خبر الراهب وأمر الملكين اللذين يظلانه من حر الشمس فرغبت لذلك ولغيره في الزواج به صلى الله عليه وسلم وعمره يومئذ خمسه وعشرون عاما وعمرها ما بين الخامسة والثلاثين والأربعين من السنين وقد تزوجت قبله صلى الله عليه وسلم أبا هاله زراره التميمي وتزوجت قبل هذا بعتيق بن عائذ المخزومي وولدت له بنتا تدعى هند وبهذا كان كلا من هند وهاله ربيبا للنبي صلى الله عليه وسلم
خطبه الزواج الميمون
وكانت الخطبة كالتالي بعثت خديجة إليه صلى الله عليه وسلم تقول يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك وحسن خلقك وصدق حديثك ثم عرضت عليه نفسها ليتزوجها وكانت رضي الله عنها يومئذ في أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا وأكثرهن مالا كل واحد من قومها كان حريصا على الزواج بها لو يقدر على ذلك فذكر صلى الله عليه وسلم لأعمامه فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب وأبو طالب حتى دخلا على والدها خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بكره وكانت أول إمراة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتزوج غيرها حتى توفاها الله وانتقلت إلى جواره وكل أولاده صلى الله عليه وسلم منها إلا ما كان من إبراهيم فانه من ماريه القبطية المصرية
طلوع الشمس المحمدية
في ليله الاثنين من شهر ربيع الأول طلعت الشمس المحمدية حيث صار لا يرى رؤيا في ليله ولا نهاره إلا جاءت كفلق الصبح وهذا الزهري يروي عن عروه عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها قولها : إن ناول ما بدء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمه العباد به الرؤيا الصادقة لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح قالت وحبب إليه الخلوة فلم يكن شي أحب إليه من إن يخلو وحده واختار صلى الله عليه وسلم لخلوته المحببة إليه جبل حراء وهو احد جبال مكة المطلة عليها فكان يخلو به مجاورا يتحنث أي ينزل الحنث عليه وهو ما يراه ويسمعه من الشرك والباطل بين أفراد قومه من قريش وفي ليله من ليالي رمضان المبارك ولعلها السابعة عشره منه نزل عليه جبريل عليه السلام يحمل بشرى النبوة تمهيدا لحمل الرسالة إلى الناس كافه .
وها هو ذا إمام المحدثين البخاري رحمه الله تعالى ورضي عنه يروي لنا عن أمنا عائشة رضي الله عنها قصه بدء الوحي إذ يقول : أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال : اقرأ فقال : (( ما أنا بقارئ )) قال : (( فأخذني فغطني حتى لغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ من الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما إنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال : (( قرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسان من علق , اقرأ وربك الأكرم , الذي علم بالقلم , علم الإنسان مالم يعلم )) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال : (( زملوني زملوني )) فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة واخبرها الخبر : (( لقد خشيت على نفسي )) فقالت : كلا والله ما يحزنك الله أبدا انك لتصل الرحم , وتحمل الكل , وتكسب المعدوم , وتقري الضيف , وتعين على نوائب الحق .
(أشعة الشمس المحمدية تضيء دار خديجة وتطلع على ورقه بن نوفل)
ما إن جاء صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها وقص عليها حتى قالت له : ابشر فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة ،ثم جمعت عليها ثيابها وانطلقت إلى ورقة ابن نوفل ابن عمها وكان قد تنصر وقرا الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل وقالت يا ابن عم اسمع من ابن أخيك : فقال له ورقه يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره الحبيب صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى ، فقال له ورقه هذا الناموس الأكبر الذي انزل على موسى ، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم ؟ قال ورقه نعم لم يأت رجل قط بما جئت به لأعودي وان يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا .
وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم لم يقضي المدة التي يقضيها في غار حراء متحنثا فعاد إلى حراء لإتمامها . فلما قضاها وعاد من جواره بدأ بالبيت كعادته فطاف سبعا فلقيه ورقة وهو يطوف فقال له : اخبرني يا بن أخي بما رأيت وسمعت فاخبره صلى الله عليه وسلم فقال ورقة : والذي نفسي بيده انك لنبي هذه الأمة . وحمل خديجة رضي الله عنها حرصها على تجلي الحقيقة ومعرفة الأمر على حقيقته ليكون إيمانها بعلم ويقين فأجرت الاختبار التالي:
فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا بن عم هل تستطيع إن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءتك فقال نعم قالت إذا حاءك فأخبرني به فجاءه جبريل عليه السلام كما كان يجيئه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة : يا خديجة هذا جبريل قد جاءني قالت قم يا بن عم فاجلس على فخذي اليسرى فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليسرى قالت هل تراه قال نعم قالت فتحول فاجلس على فخذي اليمنى فتحول وجلس فقالت هل تراه ؟ قال نعم فقالت فتحول فاجلس في حجري فتحول فجلس في حجرها قالت هل تراه ؟ قال نعم فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها ثم قالت هل تراه فقال لا قالت يا بن عم اثبت و ابشر فوالله انه ملك وما هذا بشيطان .
وبهذا كانت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها أول من استضاء بنور النبوة المحمدية وأول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي الذي جاءه كما إن ورقة كان من الفائزين بالأسبقية لولا أن المنية اخترمته فلم يشهد ضحى الشمس المحمدية .
( معجزاته )
1- في الترمذي عن علي رضي الله عنه قال : (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله ) رواه الحاكم في صحيحه.
2- وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بم اعرف انك نبي ؟ قال : (إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد إني رسول الله ؟ ) قال : نعم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ارجع فعاد , فأسلم الأعرابي .
المراجع
1- هذا الحبيب يامحب للشيخ ابوبكر الجزائري.
2- الرحيق المختوم للكاندهلوي.
3- معجزات النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ عبدالرحمن السلمان.
الفهرس
(1) المقدمه.................................1
(2) نسبه....................................3
(3) ولادته..................................4
(4) رضاعته...............................7
(5) بعثته قبلها وبعدها.....................13
(6) معجزاته................................30
(7) المراجع................................31
((بحث عن سيرة المصطفى صلى الله عليه واله وصحبه وسلم ومعجزاته))